التلقيح الاصطناعي artificial insemination هو تقانة تناسلية تستخدم لتلقيح إناث الحيوانات بسوائل منوية semen جمعت من ذكور ذات صفات جيدة. وهي واسعة الانتشار في تلقيح الأبقار وأقل انتشاراً في الأنواع الأخرى.
لمحة تاريخية
يعتقد أن أحد شيوخ العرب كان أول من استخدم هذه التقانة نحو عام 1322م لتلقيح فرس له، ويعود الفضل إلى العالم الإيطالي لازارو سباللانزاني Lazzaro Spallanzani في تلقيح إناث من الكلاب اصطناعياً عام 1870، وملاحظة أن البلازما المنوية seminal plasma الناتجة من ترشيح السائل المنوي كانت عقيمة في حين كان الجزء المتبقي (النطاف spermatozoa) خصباً.
وفي عام 1909 أسس الفيزيولوجي الروسي إيليا إيفانوف Elia Ivanov أول مختبر للتلقيح الاصطناعي، واستخدم هذه التقانة في الخيل والأبقار والأغنام، كما صنع وزملاؤه مهابل اصطناعية artificial vaginas لجمع السوائل المنوية من ذكور الأنواع المذكورة، وكان ذلك بعد أن صنع الإيطالي ج. أمانتا G.Amanta أول مهبل اصطناعي لجمع السائل المنوي من الكلب.
تلا ذلك اكتشافات وتطورات مهمة في مختلف مجالات فيزيولوجية التناسل، وتأسست أول جمعية للتلقيح الاصطناعي في الدنمارك عام 1936، وتلتها جمعيات مماثلة في كثير من البلدان. ولعل من أهم المكتشفات في مجال التلقيح الاصطناعي مايتعلق منها بتمديد السائل المنوي وحفظ خصوبة النطاف بالتبريد، وتبع ذلك اكتشاف بالغ الأهمية تمثل في تجميد السائل المنوي للثور بدرجة حرارة تبلغ -79ْم، ومن ثم استخدام الآزوت السائل - 196ْم)liquid nitrogen لهذا الغرض، فأمكن بذلك حفظ السوائل المنوية للثيران مجمدة لعشرات السنين، ونقلها من بلد إلى آخر ضمن أنابيب شعرية تدعى القشات straws بسرعة كبيرة وكفاية مرتفعة، وتأسست شركات عملاقة لاختبار الثيران وراثياً، مستخدمة في ذلك أحدث الوسائل العلمية، وذلك لبيع السوائل المنوية من أفضلها و نشر ما تمتلكه من مورثات ممتازة على أوسع نطاق ممكن.
وقد شاع استعمال التلقيح الاصطناعي في تلقيح بعض النساء بغية التغلب على بعض المشكلات التناسلية المعيقة للتلقيح أو الإخصاب الطبيعيين، وتأسست لذلك مختبرات طبية في كثير من البلدان.
فوائد التلقيح الاصطناعي
تتيح هذه التقانة الفرصة لاختبار الطاقات الوراثية التي تمتلكها الذكور في أعمار مبكرة وباستخدام أعداد كبيرة من النسل في قطعان وبيئات مختلفة، مما يؤدي إلى زيادة دقة الاختبار المذكور، ويصار من ثم إلى انتقاء الأفضل منها لتلقيح آلاف الإناث اصطناعياً (بدلاً من بضع عشرات في حال التلقيح الطبيعي)، ويؤدي ذلك إلى نشرالتحسين الوراثي في آلاف المواليد بكفاية عالية وسرعة كبيرة وتكاليف معقولة.
يساعد التلقيح الاصطناعي على منع إصابة الإناث الملقحة بالأمراض التناسلية، وإنقاص احتمالات إصابة المربين جسدياً في حال احتفاظهم بذكور لايخلو بعضها من الشراسة. كما أنها مفيدة لجمع السوائل المنوية من ذكور ممتازة لا تستطيع إجراء التلقيح الطبيعي بسبب تقدمها في السن أو لوجود عاهات جسدية فيها.
أسهمت المكتشفات الهامة في مجالات تمديد السوائل المنوية وتعبئتها وحفظها مجمدة في قشات دقيقة في توفير إمكانات ممتازة لحفظ ملايين الجرعات ونقلها، و يعني هذا نقل مورثات ممتازة لتحسين النسل وراثياً إلى أي مكان في العالم. وقد بدئ مؤخراً في استخدام طريقة جديدة لحفظ النطاف ضمن الجهاز التناسلي الأنثوي مدة أطول، وذلك بتعبئتها ضمن كبسولات تسمح بإطلاقها تدريجياً على مدى بضعة أيام.
وإن حفظ السوائل المنوية مجمدة لعشرات السنين في «بنوك» خاصة بها هو طريقة مثلى لحفظ المادة الوراثية للمستقبل، وكذلك للمساعدة على حفظ التنوع الوراثي في أي بلد.
أخطار التلقيح الاصطناعي
يؤدي استخدام سوائل منوية مجموعة من ذكور غير مختبرة وراثياً إلى نشر مورثات رديئة على نطاق واسع، ويؤدي ذلك إلى خفض المستويات الإنتاجية في القطعان أو إلى ظهور آثار مورثات ضارة أو مميتة فيها.
ومن ناحية أخرى، فإن التهاون في تطبيق برامج صحية صارمة يمكن أن يؤدي إلى نشر أمراض تناسلية عديدة في الإناث الملقحة اصطناعياً.
جمع السائل المنوي واختباره
يستخدم المهبل الاصطناعي على نطاق واسع ـ كمحاكاة للمهبل الأنثوي ـ لجمع السائل المنوي من الذكر، وهو رخيص الثمن سهل الاستعمال تستجيب له الذكور جيداً، إلى جانب نظافة القذفات المنوية الناتجة عن استخدامه. ويتألف من أسطوانة خارجية من المطاط الثخين أو إحدى اللدائن وأنبوبة داخلية من المطاط الرقيق (الشكل 1)، ويملأ الفراغ بينهما بالماء الدافئ (40-45ْم).
يقوم العامل الفني الذي يجمع السائل المنوي بتحويل قضيب الذكر المدرب على القذف في المهبل الاصطناعي، في أثناء نزوه على أنثى، لإيلاجه ضمن الجهاز المذكور فيحدث القذف ضمنه، ويتلقى أنبوب مدرج في الطرف الآخر منه القذفة المنوية الناتجة.ويمكن تثبيت المهبل الاصطناعي في دمية متحركة (الشكل 2).
تتخذ احتياطات مناسبة لتدفئة المهبل الاصطناعي منعاً لحدوث صدمة باردة للسائل المنوي في الطقس البارد. ويبين الجدول (1) حجم القذفة وتركيزها في ذكور عدد من الأنواع الحيوانية.
ويمكن استخدام التنبيه الكهربائي لمراكز القذف المنوي عبر جدار المستقيم في حالة عجز الذكور الممتازة وراثياً عن النزو. وتنتج هذه الطريقة قذفات منوية أكبر حجما ولكنها أقل تركيزاً بالنطاف عن مثيلتها الناتجة باستخدام المهبل الاصطناعي.
يضع العاملون في مراكز التلقيح الاصطناعي برامج دقيقة لجمع السوائل المنوية والاختبارات التي تجرى عليها قبل تمديدها، ومن ثم تجميدها وحفظها. ومن أهم الاختبارات المذكورة تسجيل حجم القذفة وتركيز النطاف فيها ومظهرها العام وخلوها من الشوائب، إلى جانب التعرف على قدرتها الحركية ونوعيات حركاتها ونسب النطاف الشاذة والميتة فيها.
النوع
حجم القذفة (مل)
تركيز النطاف
(مليون/مل)
عدد الإناث الممكن
تلقيحها من القذفة
الثور
4-7
1500
100-600
الكبش
1
800-4000
40-100
الحصان
90
30-800
8-12
الخنزير
250
160-200
10-12
الجدول (1) حجم القذفة وتركيز النطاف في القذفة باستخدام المهبل الصناعي
معاملة السائل المنوي وحفظه واستخدامه
تستخدم محاليل معينة لتمديد السوائل المنوية بشكل يضمن الحفاظ على خصوبة النطاف وتوفير العدد المناسب منها لتلقيح أكبر عدد ممكن من الإناث. وتحتوي هذه المحاليل على مواد غذائية وحافظة ومنظمة مختلفة، ويضاف الغليسيرول glycerol إليها لدوره المهم في حفظ النطاف إبان مراحل تجميدها.
انتشر استعمال تجميد السوائل المنوية في مختلف أرجاء العالم لما لذلك من فوائد من أهمها حفظ حياة النطاف وخصوبتها لعشرات السنين ضمن قشات تبلغ سعة الواحدة منها ربع أو نصف الميليلتر، ويمكن بالتالي نقلها براً أو جواً إلى أي مكان ضمن أوعية محتوية على الآزوت السائل (الشكل 3). ومن السهولة إزالة التجميد في وقت قصير مما يساعد على إجراء عملية التلقيح بسرعة.
تلقح الإناث بعد التأكد من كونها في طور الشبق ليكون التلقيح مثمراً، وتستخدم لذلك أدوات معينة لنقل السائل المنوي من القشة إلى عنق الرحم (الشكل 4).
ومع أن تجميد السائل المنوي صار الطريقة الرئيسة لحفظه، فإنه لايزال يستعمل طازجاً على نطاق واسع في بعض البلدان مثل نيوزلندة، ويساعد على ذلك أن معظم أبقار الحليب هناك تلقح لتضع مواليدها في مدة 6 ـ 8 أسابيع نحو منتصف شهر آب. ويستعمل الملقحون هنالك أعداداً قليلة من النطاف (نحو 2مليون نطفة/ جرعة) في حين يستخدم نحو 10 ـ 20 مليون نطفة/ جرعة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
تأثير التلقيح الاصطناعي في تحسين الإنتاج الحيواني
يعتقد كثير من العلماء أن الاستخدام الواسع للتلقيح الاصطناعي، وخاصة في الماشية، كان من أهم التطورات في تربية الحيوان بعد الحرب العالمية الثانية. وقد وفرت هذه التقانة فرصاً واسعة ومهمة للمربين لانتقاء سوائل منوية من ثيران محسنة لا يستطيعون شراءها بسبب أسعارها المرتفعة. وساعد تطور طرائق التقويم الوراثي للذكور، وخاصة ثيران ماشية الحليب، واستخدام الثيران المختبرة وراثياً، على إحداث تحسين وراثي كبير في القطعان، ومن ثم إلى ارتفاع المستويات الإنتاجية بسرعة فائقة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، مثلاً، حيث يلقح زهاء 70% من أبقار الحليب اصطناعياً من سوائل منوية لثيران مختبرة، ازداد إنتاج الحليب زيادة كبيرة على تناقص أعدادالأبقار المنتجة إلى نحو النصف. وبديهي أن ذلك كان مترافقاً مع تطور كبير في رعاية القطعان وتغذيتها والحفاظ على صحتها.
يسعى الباحثون إلى تطوير تقانات أخرى للمساعدة على زيادة الفوائد الممكنة من التلقيح الاصطناعي إلى أقصى حد ممكن، ومن أمثلة ذلك استخدام الانتخاب المدعوم بالواسمات الوراثية marker assisted selection (MAS) لاستخدامها في انتخاب الحيوانات بأعمار مبكرة ونشر مورثات الممتازة منها بوساطة التلقيحالاصطناعي على أوسع نطاق. كما يعملون على تحسين طرق تحديد الجنس في نطاف الثيران المختبرة مما يمكِّن من التوسع في إنتاج الإناث من ماشية الحليبوالذكور من ماشية اللحم. كما أن تقانة توقيت الوداق (الشياع) estrus synchronization تمكِّن من التوسع في استخدام التلقيح الاصطناعي، وذلك بالمعاملة الهرمونية للإناث بغية دفعها إلى إظهار الشبق في أوقات متقاربة مما يسهل من تلقيحها في فترات معينة، ويؤدي ذلك إلى أن تضع مواليدها في أوقات محدودة ومناسبة من السنة.
ومن جهة أخرى، يمكن معالجة الإناث الجيدة الصفات هرمونياً لدفعها إلى إنتاج عدد كبير من البويضات (وهذا ما يدعى بالإباضة المتعددة multiple ovulation)، وبعد تلقيحها اصطناعياً تجمع البويضات وينقل المخصب منها إلى أرحام أمهات «مستقبلة recipient» تم إعدادها هرمونياً لتنمو الأجنة الجديدة ضمنها حتى الولادة. وهذا مايعرف باسم الإباضة المتعددة ونقل الأجنة multiple ovulation and embryo transfer (MOET)، ويؤدي ذلك بالطبع إلى زيادة الاستفادة من الإناث الممتازة في التحسين الوراثي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق